فصل: مسألة رهنه عبدا لامرأته بعلم منها فقال رجل للمرتهن أنا آخذه وأضمنه لك:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.كتاب الرهون الثاني:

.غلة الحائط المرهون والدار والعبد:

من سماع عيسى من كتاب الرهون قال في غلة الحائط المرهون والدار والعبد: إنها للراهن، وإنها لا تكون رهنا مع الرهن، إلا أن يشترط ذلك المرتهن في رهنه، ولا يصلح للمرتهن أن يشترط أن يتقاضى في البيع غلة الرهن في كل عام؛ لأن ذلك ليس بشيء ثابت معلوم، إنما ذلك يكون مرة ويخطئ مرة أخرى، ويكثر مرة، ويقل أخرى، ولا بأس به في السلف، ولا يلزم المرتهن في الوجهين جميعا كلاهما عمل الحائط، ولا مرمة الدار ولا إصلاحها، ولا نفقة العبد ولا كسوته، اشترط المرتهن الغلة أو لم يشترطها، وإنما ذلك على الراهن الذي له الغلة، يلزمه ذلك المرتهن، اشترط ذلك أو لم يشترطه عليه، ولا يترك الراهن وخراب الرهن وهلاكه؛ لأن ذلك يدخل على المرتهن في هلاك حقه وذهابه ضررا ووهنا. وقد كان الرهن وثيقة من حقه، ومن أجل ذلك جعلت الغلة في السنة للراهن؛ لأنه لا يقوى على عمل الراهن وإصلاحه ونفقته إلا بالغلة، وليس للمرتهن رهنا له غلة أن يحول بين الراهن وبين استعمال رهنه، وليس للراهن أن يفعل ذلك إلا بإذنه وعلمه، وإن لم يشترط المرتهن الغلة رهنا مع الأصل؛ لأن المرتهن قد قبض رهنه من الراهن، وحازه دونه أو وضع له على يد من حازه له وقبضه، فلو جاز للراهن أن يعامل في الحائط من أحب أو يكري الدار أو يؤاجر العبد ممن أحب، لأدخل عليه الراهن بذلك في رهنه ضررا إذ صار يقضي عليه بإذنه وبغير إذنه. وقال ابن القاسم: المرتهن هو الذي يعامل في عمل الحائط، ويبيع الغلة، ويؤاجر الدار، وليس للراهن في ذلك أمر.
قال الإمام القاضي قوله في غلة الحائط المرهون والدار والعبد: إنها للراهن، وإنها لا تكون رهنا مع الرهن، إلا أن يشترط ذلك المرتهن في رهنه، هو المشهور في المذهب، لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ «الرهن لمن رهنه، له غنمه، وعليه غرمه وغنمه وغلته». وقد وقع في المبسوطة من رواية ابن القاسم عن مالك، أنه سمعه يقول: من استرهن دارا أو عبدا قبضه أو لم يقبضه، فإن إجارة العبد وكراء الدار، لجمع لا يصل إلى الراهن ولا إلى المرتهن حتى يفك الرهن، فيكون تبعا للرهن، فإن كان في الدار أو العبد كفاف الحق، كانت الإجارة للراهن، قال ابن الماجشون: لا أعرف هذا، والخراج والكراء للراهن، إلا أن يشترطه المرتهن، وقال ابن نافع مثله، وزاد، إنما يجوز له أن يشترطه من مبايعة لا من سلف، وهذه الرواية عن مالك شاذة، لا تعرف في المذهب، وقول ابن الماجشون هو المعلوم، وأما قول ابن نافع: إنما يجوز للمرتهن أن يشترط ذلك من مبايعة لا من سلف، فهو غلط. والله أعلم؛ لأن ذلك إنما هو إذا اشترط ذلك المرتهن لنفسه، كذا وقع في المدونة وغيرها في اشتراط المرتهن الانتفاع بالرهن، وأما اشتراطه أن يكون الرهن رهنا معه، فلا اختلاف في جواز ذلك في أصل البيع وبعده، وفي أصل السلف وبعده، ولا تدخل الثمرة في رهن الأصول، إلا باشتراط المرتهن، كانت قد أبرت أو لم توبر، وإنما يفترق ذلك في البيع، لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «من باع نخلا قد أبرت فثمرهما للبائع إلا أن يشترطه المبتاع». فدل ذلك من قوله على أنها للمبتاع، إذا كانت لم تؤبر، كما يكون له ما ينبت بعد الابتياع والسنة قد أحكمت أن الغلة في الرهن للراهن، فوجب أن تكون له الثمرة أبرت أو لمن تؤبر أو نبتت بعد الارتهان، إلا أن يشترط ذلك المرتهن في الرهن، والجنين داخل في الرهن وإن لم يشترط، بخلاف الثمرة التي لم تؤبر، وإن استويا في البيع والفرق بين الجنين والثمرة التي لم تؤبر في الرهن، أن السنة قد أحكمت أن غلة الرهن للراهن، والجنين ليس بغلة، وإنما هو عضو من أعضاء أمه، فوجب أن تكون معه في الرهن، كما تدخل في البيع، والأصل في هذا أن النماء في الرهن على وجهين: متميز عن الرهن وغير متميز عنه، فأما غير المتميز عنه، فلا اختلاف في أنه يدخل في الرهن، وذلك مثل سمن الدابة والجارية، وكبرهما، ونماء النخل، وكبرها. وأما المتميز عنه فإنه على وجهين: أحدهما أن يكون على صورته وخلقته، والثاني ألا يكون على صورته وخلقته. فأما ما كان على صورته وخلقته، كالولد من بني آدم ومن سائر الحيوان، وكفسلان النخل، فإنه داخل مع الأصول في الرهن وإن لم يشترط وأما ما كان على غير صورته وخلقته، فإنه لا يدخل في الرهن إلا بشرط، كان متولدا عنه، كثمرة الحائط ولبن الغنم وصوفها، أو غير متولد عنه ككراء الدار، وخراج الغلام. هذا على ما ذكرناه من المشهور في المذهب.
ودهب أبو حنيفة إلى أن ذلك كله داخل في الرهن، كان متميزا عنه أو غير متميز، متولدا عنه على خلفته وصورته، أو على غير خلقته وصورته، قياسا على نسل الحيوان، وعلى النماء المتصل بالرهن الذي لا يتميز منه.
وذهب الشافعي إلى أنه لا يدخل في الرهن من النماء، إلا ما كان غير متميز منه كسمن الدابة والجارية وكبرهما. وأما قوله: إنه لا يصلح للمرتهن أن يشترط أن يتقاضى في البيع غلة الرهن في كل عام؛ لأن ذلك ليس بشيء ثابت معلوم؛ لأنه يكون ويخطئ ويقل ويكثر، ولا بأس به في السلف فهو صحيح، ومثله في كتاب حريم البئر من المدونة أن ذلك لا يجوز في عقد البيع، وهو جائز في أصل عقد السلف وبعده.
وأما قوله ولا يلزم المرتهن عمل الحائط ولا مرمة الدار، ولا إصلاحها ولا نفقة العبد ولا كسوته، اشترط المرتهن الغلة أو لم يشترطها، وإنما ذلك على الراهن الذي له الغلة، فهو أمر صحيح لا اختلاف أعلمه فيه، لقول النبي عَلَيْهِ السَّلَامُ: «الرهن لمن رهنه، له غنمه وعليه غرمه» وقوله: وليس للمرتهن رهنا له غلة أن يحول بين الراهن وبين استعمال رهنه، معناه: ليس له أن يحول بينه وبين مؤاجرته إن كان ممن يؤاجر، وكرائه إن كان ممن يكرى وأما استعماله بأن يستخدم العبد، أو يلبس الثوب، أو يركب الدابة وما أشبه ذلك، فله أن يمنعه منه؛ لأن ذلك إن أذن له فيه، خروج من الرهن، وقد وقع في هذه الرواية اضطراب ألفاظ فيمن يلي مؤاجرة ذلك وكراءه، فقال في أول كلامه: ليس للمرتهن رهنا له غلة أن يحول بين الراهن وبين استعمال رهنه، يريد ليس له أن يحول بينه وبين ولاية عقد الإجارة والكراء فيه. قال: وليس للراهن أن يفعل ذلك إلا بإذنه وعلمه، فدل ذلك من قوله على أن الراهن هو الذي يلي ذلك بإذن المرتهن، وقال في آخر المسألة: والمرتهن هو الذي يعامل في عمل الحائط، ويبيع الغلة، ويؤاجر الدار، وليس للراهن في ذلك أمر، فدل ذلك من قوله على أن المرتهن الذي يلي ذلك.
والذي أقول به في تفسير ذلك، أنه إن كانت الغلة للراهن، لم يشترطها المرتهن، ولي المرتهن الكراء، ولم يجز أن يليه الراهن؛ لأنه إذا ولي الكراء بإذن المرتهن، وأخذ الغلة، فقد صار منتفعا بالرهن، وبطلت حيازة المرتهن، وهذا نص قوله في المدونة: إنه إذا أذن له أن يكري الدار، فقد خرجت من الرهن، معناه عندي: إذا أذن له أن يكريها ويأخذ كراءها، وعلى هذا يحمل قوله في آخر المسألة: والمرتهن هو الذي يعامل في ذلك، وليس للراهن فيه أمر، وإن كانت الغلة رهنا باشتراط المرتهن، وعلى هذا يلي الراهن عقد الكراء والإجارة لها بإذن المرتهن، وعلى هذا يحمل قوله في أول الكلام: وليس للراهن أن يفعل ذلك إلا بإذنه وعلمه.
فيتحصل من هذا أنه لا يجوز للراهن أن يلي عقد الكراء والإجارة بغير إذن المرتهن، ويجوز أن يلي ذلك بإذنه إن كانت الغلة رهنا مع الأصل، ولا يجوز إن لم تكن الغلة رهنا مع الأصل؛ وأما ولاية المرتهن لعقد الكراء دون إذن الراهن ففي ذلك اختلاف.
قال محمد بن المواز: لا يكري المرتهن الرهن إلا بإذن الراهن، معناه: إذا كان الكراء للراهن، ومثله في حريم البئر من المدونة، قال: إن لم يأمره الراهن أن يكري ترك ذلك ولم يكر، وإن أمره بذلك أكراه، وكان الكراء لرب الأرض، وأما إن كان الكراء في الرهن باشتراط المرتهن له، فله أن يكريه بغير إذنه، وليس للراهن أن يمنعه من كرائه؛ لأن ذلك من حقه. قال ذلك أشهب، وعلى ذلك تحمل رواية ابن عبد الحكم، أن للمرتهن أن يكري الرهن دون إذن صاحبه. وقد قيل: إن ذلك يجب على المرتهن، فإن لم يفعل ضمن إذا كان الرهن مما يتخذ للكراء، وله قدر، وهو قول ابن الماجشون. وقال أصبغ: لا ضمان عليه، وهو ظاهر ما في المدونة وغيرها من قول ابن القاسم وروايته عن مالك، إذ لم يفرق في شيء من ذلك بين ما كان متخذا للكراء، أو غير متخذ له، وبالله التوفيق.

.مسألة رهن لرجلين يقوم أحدهما ببيع الرهن وقد كان الآخر أنظره بحقه سنة:

وقال في رجلين يكون لهما رهن بينهما، فيقوم أحدهما على بيع الرهن في حقه، وقد كان الآخر أنظره بحقه سنة، إنه إن كان يقدر على قسم الرهن بما لا ينقص الذي قام على أخذ حقه قسم، ثم بيع له نصف الرهن فأوفي حقة، وأوقف النصف الآخر للذي أنظره بحقه إلى الأجل.
قلت: فإن كان لا يقدر على قسم الرهن إلا بما ينقص حق الذي قام على أخذ حقه، بيع الرهن كله، فأعطي الذي قام على الأخذ بحقه حقه كله من ذلك، فإن طابت نفس الذي أنظر بحقه سنة، أن يدفع بقية ثمن الرهن إلى الراهن إلى أن يحل حقه، دفع إلى الراهن، فإن كره أحلف بالله ما أنظرته بحقي إلا ليوقف في رهنه على هيئته، ثم أعطي حقه ولم يحبس عنه، ولم يوقف له إلى الأجل وقد بيع رهنه؛ لأن إيقاف الرهن على المرتهن في غير منفعة تصل منه إلى الراهن، وهو له ضامن، فدفع الحق إلى المرتهن، وإبراء الراهن من ضمانه خير لهما جميعا.
قال ابن القاسم: قال مالك: إلا أن يأتي الراهن برهن يكون فيه وفاء بحق الذي أنظره، فيكون له أخذ ثمن الرهن إلى الأجل.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم عن مالك: إلا أن يأتي الراهن برهن يكون فيه وفاء بحق الذي أنظره، فيكون له أخذ ثمن الرهن إلى الأجل صحيح مبين لما تقدم من قوله. والمسألة كلها صحيحة بينة، وهي متكررة في سماع أبي زيد، ولا اختلاف في شيء منها إلا إذا لم يأت الراهن برهن يشبه الرهن الأول يكون فيه وفاء بحق الذي أنظره، هل يوقف الثمن إلى الأجل الذي أنظره إليه أم يعجل له؟ فقيل: إنه يعجل له كما قال ها هنا، وقيل: إنه يوقف إلى الأجل ولا يعجل له، لعل الغريم يجد في باقي الأجل رهنا يضعه في مكان الثمن وينتفع به إلى الأجل.
وقد مضى الاختلاف في ذلك في رسم كتب عليه ذكر حق من سماع ابن القاسم، وفي رسم الأقضية الثاني والثالث من سماع أشهب. والقولان قائمان من المدونة من كتاب الرهون وكتاب التجارة إلى أرض الحرب، وبالله التوفيق.

.مسألة ضمان المرتهن ما ضاع من الحلي والثياب والمتاع عنده:

قال ابن القاسم: وإنما يضمن المرتهن ما ضاع من الحلي والثياب والمتاع عنده قيمة ما ضاع عنده يوم ضاع وليس قيمته يوم ارتهنه.
قال الإمام القاضي: قال ها هنا إنه يغرم المرتهن قيمة ما ضاع عنده من الحلي والثياب يوم ضاع، وقال فيما يأتي قرب آخر هذا الرسم: إنه يغرم قيمته يوم ارتهنه، وليس ذلك عندي اختلافا من القول، ومعنى ما ها هنا أنه ظهر عنده المتاع والحلي في الوقت الذي ادعى أنه ضاع فيه، فعلم أنه لم يضع قبل ذلك؟ ومعنى ما يأتي في آخر هذا إذ لم يعلم متى ضاع ولا ظهر عنده منذ ارتهنه، وغاب عليه، فيلزمه قيمته يوم ارتهنه، إذ لا يصدق في وقت ضياعه، كما لا يصدق في ضياعه، إلا أن تكون قيمته في الوقت الذي ادعى أنه تلف فيه أكثر من قيمته يوم ارتهنه، فيلزمه قيمته يوم ضاع؛ لأنه مقر على نفسه، وكذلك لو ظهر عنده بعد ارتهانه إياه بمدة، لسقطت عنه قيمته يوم ارتهنه، إذ قد علم بظهوره عنده سقوط الضمان عنه فيه فيما مضى من المدة، ولزمته قيمته يوم ظهر عنده، ولم يصدق إن ادعى أنه تلف بعد ذلك بمدة، إلا أن تكون قيمته في اليوم الذي ادعى أنه تلف فيه أكثر. وذهب ابن دحون إلى أن ذلك اختلاف من القول. فقال: أكثر أقواله، إن الضمان إنما يكون يوم ارتهنه، قال: وهو القياس؛ لأن في ذلك اليوم دخل في ضمانه، وكل من دخل في ضمانه شيء ثم ضاع بعد ذلك بمدة، فإنما عليه قيمته يوم دخل ذلك في ضمانه كالغاصب والصانع ونحوهما، وليس قوله بصحيح، أما الغاصب فهو كما قال، وأما الصانع والمرتهن فالحكم فيهما بخلاف ما ذكر. وقد قال غيره: إنما يلزم المرتهن قيمة الرهن يوم ضاع، إذا لم يعلم قيمته يوم الرهن ولا بعده، فلم يجعل ذلك اختلافا من القول، ورد ما ها هنا بالتأويل، إلى الذي يأتي بعد هذا، من أن على المرتهن في الرهن إذا هلك عنده قيمته يوم ارتهنه، خلاف ما ذهبنا إليه من رد ما يأتي بعد هذا إلى ها هنا، من أن المرتهن يلزمه إذا ضاع الرهن عنده قيمته يوم ضاع بما ذكرنا من التأويل، فإن جهل وقت الرهن، كان القول فيه قول المرتهن، فإن ادعى أنه تلف بعد ذلك بمدة، وقيمته في ذلك الوقت أقل من قيمته يوم الرهن، لم يصدق في ذلك، على ما ذكرناه. وفي سماع أصبغ من كتاب الوديعة ما يبين ما ذهبنا إليه في هذه المسألة. وبالله التوفيق.

.مسألة ارتهن رهنا في حق له إلى أجل فأتى رجل يطلبه بدين قبل محل الأجل:

وقال فيمن ارتهن غريمه دارا أو رقيقا في حق له إلى أجل، فيأتي رجل يطلبه بدين قبل محل الأجل، أجل المرتهن، إنه إن كان في الرهن فضل عما رهن فيه بيع فقضى صاحب الحق والغريم الذي جاء، وإن لم يكن في الرهن فضل لم يبع حتى يحل الحق الذي رهن فيه؛ لأنه رهن.
قال الإمام القاضي: هذا مثل ما تقدم في المسألة التي قبل هذه المسألة، مسألة في تعجيل الحق قبل حلول الأجل. وقد مضى ذكر الخلاف في ذلك هنالك، وفي المواضع المذكورة فيه. ومعنى هذا: إذا كان الدين الذي لم يحل عينا أو عرضا من قرض، وأما إن كان عرضا من بيع لم يبع إلا أن يحل أجل المرتهن. وبالله التوفيق.

.مسألة رهنه رهنا فأتى الراهن إلى رجل فقال له بعني سلعتك هذه بدين إلى أجل:

قال في رجل رهن رجلا رهنا في سلعة له: عليه إلى أجل، فأتى الراهن إلى رجل فقال له: بعني سلعتك هذه بدين إلى أجل، لأفتك به رهنا لي عند فلان، فسأله البائع حميلا، فلم يجد إلا صاحب رهنه، فلا ينبغي للمرتهن أن يتحمل عنه شيئا يصير من حقه إليه، كما لا ينبغي له أن يبيع له شيئا يصير له قضاء من حقه.
قال محمد بن رشد: تنظيره مسألة الذي سأل الرجل أن يتحمل عنه بثمن شيء يصير من حقه إليه، بمسألة الرجل يبيع الرجل شيئا يصير له قضاء من حقه، ليس بتنظير صحيح؛ لأنهما مسألتان متغايرتان متباينتان مفترقتا المعنى، أما مسألة الحمالة فالعلة فيها أن الحميل تحمل بالرجل، رجاء أن يقضيه المتحمل عنه السلعة التي اشتراها فأشبه الحمالة بالجعل. وأما مسألة الذي يبيع الرجل شيئا يصير له قضاء من حقه، فمعناها أن يبيعه شيئا بثمن إلى أجل، يصير له قضاء من حقه الذي قد حل له. والعلة فيها أنه يدخلها فسخ الدنانير في أكثر منها إلى أجل، وهو الربا المحرم بالقرآن، مثال ذلك: أن يكون للرجل على الرجل عشرة دنانير حالة، فيبيعه سلعة قيمتها عشرة دنانير، بخمسة عشر إلى أجل، ليبيعها بعشرة، ويقضيها إياه، فيكون البائع قد رجع إليه ثمن سلعته، فكأنه باعها من غيره أو منه بعشرة دنانير، وأخره بالعشرة الحالة التي كانت عليه إلى أجل، على أن يزيده فيها خمسة دنانير ربا، ووجه التنظير بينهما على تغايرهما وافتراقهما، أن المكروه في كل واحدة من المسألتين، لم يشترطاه، وإنما رجواه، ولو اشترطاه، فقال الحميل: إنما أتحمل عنك بثمن السلعة، على أن تقضيني إياها في حقي، وقال البائع للشيء: إنما أبيعك إياه بالدين، على أن تبيعه أنت بالنقد، وتوفيني ثمنه فيما لي عليك، لكان المكروه في كل واحدة منهما أشد وأبين. وبالله التوفيق.

.مسألة الرهن يحل بيعه وصاحبه ناء عن السلطان فيأمره ببيعه:

وعن الرهن يحل بيعه، وصاحبه ناء عن السلطان، فيأمره ببيعه، فلا يجد أحدا يعنى فيه إلا بجعل، على من يكون الجعل، أعلى صاحب الرهن أم على المرتهن؟ فقال: الجعل على من طلب البيع منهما والتقاضي، قال عيسى ما أرى الجعل إلا على الراهن.
قال محمد بن رشد: قول عيسى بن دينار أظهر من قول ابن القاسم لأن الراهن مأمور بالقضاء، واجب عليه فعله، فهو أولى بغرم الإجارة على ما يتوصل به إلى أداء الواجب عنه.
ووجه قول ابن القاسم: إن الراهن يقول: أنا لا أريد بيع الرهن؛ لأني أرجو أن يتيسر لي الحق دون بيع الرهن، فإذا أردت أنت تعجيله، فأد الجعل على بيعه. وبالله التوفيق.

.مسألة رهنه عبدا لامرأته بعلم منها فقال رجل للمرتهن أنا آخذه وأضمنه لك:

وقال في رجل رهن رجلا عبدا لامرأته بعلم منها ورِضى، فقام رجل غير الذي عليه الحق، فقال للمرتهن: أنا آخذ هذا الرهن، فيكون بيدي وأضمنه لك من كل شيء إلا الموت، فإن حل الأجل أعطيتك حقك، فرضي بذلك صاحب الحق، وأقر الحميل العبد عند المرأة، ولم يقبضه، ولم يحزه، فلما حل الأجل، قام الحميل على العبد لبيعه في قضاء الحق، فحالت المرأة دونه، وقالت: غلامي بيدي، لم يفارقني ولم يقبضه، واحتج الحميل بإذنها في رهن العبد ورضاها، قال: يغرم الحميل لصاحب الرهن ما ضيع حين لم يقبض الرهن، وغر المرتهن من الرهن، ويطلب الحميل زوج المرأة بما غرم عنه وليس له قبل المرأة في عبدها شيء؛ لأن الرهن ليس مقبوضا. ولو باعت المرأة العبد أو أعتقته، جاز ذلك لها، ولم يرد، ولو أن الحميل أقر العبد عند المرأة أياما، ثم قام على أخذه قبل محل الأجل، لم يكن للمرأة تحول بينه وبين قبض العبد؛ لأنه يقدر في مثل هذا بالشغل يعرض له والسفر، فأما إذا أخر قبضه حتى يحل الحق، فإنه يعلم أن ليس ذلك برهن مقبوض؛ لأن الناس إنما يأخذون الرهن لأن يكون لهم وثيقة من حقوقهم إذا حلت.
قال الإمام القاضي: هذا بين على ما قاله، من أن الحميل الضامن للرهن يلزمه أن يغرم لصاحب الرهن ما ضيع حين لم يقبض الرهن وتركه بيد المرأة حتى حل الأجل؛ لأنه إذا فعل ذلك فقد رضي بتركه عندها وإبطال حق المرتهن فيه، بخلاف إذا تركه عندها الأيام اليسيرة، ثم قام على قبضه حسبما قاله.
وقد مضى في أول سماع ابن القاسم، القول فيما يلزم الضامن للرهن إذا قال أنا ضامن لرهنك، أو لما نقص من رهنك، أو لما نقص من حقك، أو لما أصاب رهنك مستوفى، فلا معنى لإعادته. والله الموفق.

.مسألة اشترى من رجل أرضا إلى أجل على أن يعطيه كل شهر دينارا:

وعن رجل اشترى من رجل أرضا إلى أجل، على أن يعطيه كل شهر دينارا، فإذا حل الأجل أعطى له بقية الحق، وجعله له رهنا بحقه على يدي رجل، فهلك المشتري قبل أن يحل أجل الحق، ولا مال له، إلا الأرض، وليس في ثمن الأرض وفاء بحقه ذلك، وعليه ديون للناس، سوى هذا الحق، فأراد الورثة أن يعطوه دينارا كل شهر، على ما كان اشترط عند البيع، ولا يكسر عليهم أرضهم. قال: أما إذا مات الذي عليه الحق، فقد حل عليه كل حق عليه إلى أجل، وإن لم يأت ذلك الأجل، وتباع الأرض بما قامت، وإن لم يكن في ثمنها وفاء للحق الذي رهنت فيه، والمرتهن أولى بثمنها من الغرماء؛ لأنها رهنت في حقه.
قال الإمام القاضي: وكذلك لو اشترط تكون الأرض رهنا بيده إلى ذلك الأجل، لجاز ذلك؛ لأن الأرض يجوز أن تباع على أن تقبض إلى أجل، بخلاف العروض والحيوان التي لا يجوز أن تباع على أن تقبض إلى أجل، فلو باع رجل شيئا من الحيوان أو العروض بثمن إلى أجل، واشترط أن يبقى ذلك بيده رهنا إلى ذلك الأجل لم يجز، وكان بيعا مفسوخا. كذلك روى ابن وهب عن مالك في الحيوان، قاله ابن القاسم في العروض، ولو وضع هذه الأشياء التي لا يجوز ارتهانه إياها عند بيعها على يدي غيره، لكان ذلك جائزا، وكان أحق به من الغرماء. وقد قيل: إنه لا يجوز أن يبيع الرجل شيئا من الأشياء بثمن إلى أجل، على أن يكون له رهنا بحقه وإن وضعه على يدي عدل، قال ذلك أصبغ ورواه عن أشهب في سماع سحنون من كتاب السلم، والآجال، وعلى قياس ذلك يأتي ما حكى ابن حبيب في الواضحة من رواية أصبغ عن ابن القاسم، أنه لا يحل أن يتواضع الثمن في البيع المضمون، ولا بأس بالرهن والحميل من البائع إذ انتقد الثمن، والعلة في ذلك عندهما أنه إذا حل الأجل وأعسر بالثمن، بيع الدار، فإن كان فيها فضل كان للمشتري، وإن كان نقصان فعليه، فكأنه باع منه دارا أو شيئا لا يقبضه، على أن يكون له ما زاد، وعليه ما نقص، وقد اختلف إذا وقع على هذا القول، فقيل: إنه بيع فاسد، يسلك به مسلك البيع الفاسد في كون الغلة للمشتري بالضمان، وسائر أحكام البيع الفاسد، وقيل: أنه ليس ببيع فاسد، وإنها هي إجارة فاسدة، كأن رب الدار استأجره على أن يبيعها له بثمن سماه، على أن يكون له ما زاد على الثمن إجارة له، فإن باعها كان الثمن لرب الدار، وكان للذي باعها أجر مثله، في بيعه إياها، وإلى هذا ذهب أصبغ، على ما اختاره من اختلافهم في الذي يبيع من الرجل السلعة على ألا نقصان عليه، فقد قيل فيها القولان جميعا، اختلف في ذلك قول مالك وعبد العزيز بن أبي سلمة.
وقد مضى القول على هذا في سماع سحنون من كتاب السلم والأجال.
وفي رسم أخذ يشرب خمرا من سماع ابن القاسم من كتاب الأيمان بالطلاق. وبالله التوفيق.

.مسألة باع رجلا بيعا فرهنه خدمة مدبر:

وقال في رجل باع رجلا بيعا فرهنه خدمة مدبر له، فقال: لا يعجبني هذا، إلا أن يكون مؤاجرا أو مخارجا، فيرهنه أجرته.
قال محمد بن رشد: إنما لم يُجز خدمة المدبر لأن ذلك غرر إذ لا يدري مبلغ ما يوأجره به، ومعنى ذلك، إذا كان الرهن في أصل البيع، على القول بأن رهن الغرر لا يجوز في أصل البيع، والمشهور أن ذلك جائز، وهو الظاهر من قول ابن القاسم في المدونة في إطلاقه إجارة رهن الثمرة التي لم يبد طلاحها، والزرع الذي لم يبد صلاحه، وقد أجاز في كتاب المدبر منها رهن المدبر، ولم يفرق بين أن يكون ذلك في أصل البيع وبعد عقده. وإذا جاز رهن المدبر مع ما فيه من الغرر، إذ لا يباع للمرتهن في حياة الراهن، وجاز ارتهان الثمرة قبل أن يبدو صلاحها فما الذي يمنع من ارتهان خدمة المدبر؟ وهو يقدر على أن يؤاجره في الوقت، فتكون إجارته رهنا له، وذلك أخف في الغرر والجعل من رهن الثمرة التي لم يبد صلاحها، والزرع الذي لي يبد صلاحه، وأما رهن إجارته إذا كان مؤاجرا فلا إشكال في جواز ذلك. والحيازة تصح في ذلك بإشهاد المرتهن على الراهن بحضرة المستأجر، فإذا حلت الإجارة عليه قبضها المرتهن، وطبع عليها عنده، لئلا ينتفع بها، وجعلت على يدي عدل، وفي قوله: إلا أن يكون مخارجا نظر؛ لأن كونه مخارجا هو أن يكون السيد قد ضرب عليه خراجا معلوما يأخذه منه مياومة أو مشاهرة، وإذا كان ذلك، فلا يصح ارتهانه؛ لأن الرهن لا يصح إلا بالحيازة لقول الله عز وجل: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ولا يصح أن يكون العبد حائزا للمرتهن ما عليه من الخراج؛ لأن يده كيد سيده الراهن فيما ضرب عليه من الخراج. وبالله التوفيق.

.مسألة الرهن إذا لم يقبض من الراهن ويحز عنه بأمر الراهن فيه:

قال ابن القاسم: وكل رهن لم يقبض من الراهن ويحز عنه بأمر الراهن فيه جاز، إن أعتق أو وطئ أو باع أو وهب أو نحل أو تصدق، وكل ما صنع فيه من شيء فهو جائز له إذا كان موسرا، ويؤخذ منه ما عليه من الدين، ويعطى صاحبه، وإن لم يكن موسرا لم يجز منه شيئا، إلا أن يطأ أمة فتحمل منه، أو شيئا فيبيعه فينفذ بيعه، فأما عتق أو هبة أو صدقة فإنه لا يجوز له أن يكون موسرا لأنه لم يقبض منه فليس هو برهن، وإن أفلس الراهن قبل أن يقبض المرتهن رهنه، ويقوم عليه، كان المرتهن فيه إسوة الغرماء، فإن قام المرتهن على قبضه وحوزه قبل أن يحدث الراهن فيه شيئا مما يفوت به، كان للمرتهن أن يخرجه من يد الراهن حتى يكون له رهنا مقبوضا يجعله المرتهن على يديه أو يدي من يرضى به، إن كره الراهن أن يكون على يدي المرتهن، ولم يكن المرتهن اشترط ذلك على الراهن عند ارتهانه الرهن، بجعله المرتهن على يدي من يرضى به، وكذلك كل من اشترط رهنا في بيع أو سلف، ولم يشترط قبضه، ثم طلب ذلك قبل أن يفوت الرهن، فإن ذلك له، وإن كره الراهن أن يكون في يدي المرتهن، فقال لا أرضى أن يكون رهني في يديك وضع لهما على يدي من يرضيان به جميعا، ولم يجعل على يدي المرتهن؛ لأنه لم يشترط ذلك على الراهن عند ارتهانه إياه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة صحيحة بينة لا إشكال فيها ولا اختلاف في شيء من وجوهها ومعانيها. وقوله فيها: فإما عتق أو هبة أو صدقة، فإنه لا يجوز له، إلا أن يكون موسرا، معناه: موسرا بما عليه من الدين وقوله: إن للمرتهن أن يقوم على الراهن، بأن يخرج الرهن من يديه، حتى يكون له رهنا مقبوضا يجعله المرتهن على يديه، أو يدي من يرضى به، إن كره الراهن أن يكون بيد المرتهن، معناه: إذا رضي الراهن أن يكون بيد الذي رضي المرتهن أن يكون بيده، فإن لم يرض بذلك وضعه السلطان بيد من يرضى به إذا لم يتفقا جميعا على من يكون بيده، يبين هذا قوله في آخر المسألة: وضع لهما على يدي من يرضيان به جميعا، وإنما جاز تفويت الراهن للرهن بعد أن رهنه بما ذكره وإن كان الرهن يلزم بالعقد، ويحكم للمرتهن بقبضه، مراعاة لقول من يقول: إنه لا يكون رهنا، ولا يلزم الحكم به، وإن تشاهدا عليه، ما لم يقبض، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] والرهن في هذا بخلاف الهبة والصدقة ومن وهب أو تصدق، فلا يجوز له بيع ما وهب، ولا هبته لغيره، وإن لم يحز عنه ولا قبضت منه؛ لأن الحيازة في الرهن ألزم منها في الهبة والصدقة. قد قال ناس في الهبة والصدقة: إنهما لا يفتقران إلى حيازة، ولم يقل ذلك، أحد في الرهن، لقول الله عز وجل: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283].
فصل وهذا إذا أطاع الراهن للمرتهن بالرهن بعد عقد البيع، أو بعد عقد السلف، وأما إن باعه بيعا أو أسلفه سلفا على أن يرهنه عبدا أسماه فباعه أو أعتقه قبل أن يقبضه المرتهن، فإن كان فرط في قبضه حتى باعه الراهن أو أعتقه، فلا حق للمرتهن فيه، ولا شيء له على الراهن المبتاع لأنه قد ترك رهنه بتفريطه في قبضه، وإن كان أعتقه أو باعه بفور رهنه إياه، دون أن يطول، ولم يكن من المرتهن تفريط في قبضه، مضى البيع والعتق أيضا، وكان للمرتهن أن يفسخ البيع عن نفسه؛ لأنه إنما بايعه على ذلك الرهن بعينه، فلما فوته عليه كان أحق بسلعته إن كانت قائمة، أو قيمتها إن كانت فائتة. هذا معنى ما في كتاب الرهون من المدونة. وقد قيل: إن الثمن يوضع له رهنا. قاله أبو إسحاق التونسي، على قياس قول أشهب في الراهن يكاتب العبد الرهن قبل أن يقبضه المرتهن إن الكتابة تكون رهنا. وفي كتاب ابن المواز: إنه يوضع له رهن مكانه، وقد سأله في المدونة عن هذا فلم يجبه عليه، وهذا إذا كان المرتهن قد دفع السلعة أو السلف، وأما إن كانت سلعته لم تخرج من يده ولا سلفه فهو أحق بسلعته أو سلفه، سواء فرط في القبض أو لم يفرط، ولم يختلفوا إذا دبر قبل الحوز أن خدمة المدبر، لا تكون رهنا؛ لأنها نحلة ولم يكن ارتهن شيئا من الغلة. وبالله التوفيق.